التنبؤ بالحروب والإبادة الجماعية
على مفترق طرق حقوق الإنسان والتنمية، كما هو الحال مع مرور الوقت، غالباً ما نتذكر ونعيد النظر في الإشارات التحذيرية التي مضت، فهي ذاكرة تراكمية - سواء كانت تجارب ماثلة أو أحداث تاريخية - من شأنها أن تساعدنا على تقدير الدروس المستفادة.
وبمناسبة اليوم العالمي للموئل، و”أكتوبر الحضري“، لهاذ العام (6 أكتوبر/تشرين الأول)، يتناقش أصحاب المصلحة، بشأن الموضوع الذي اختاره برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية، وهو ”الاستجابة للأزمات الحضرية“، في الوقت الذي بقوم فيه الجيش الإسرائيلي بتدمير مدينة غزة، كمثال مروع للأزمة الحضرية التي من صنع الإنسان. ومع استمرار الدعم االمقدم من القوى الإمبريالية، لكل من الولايات المتحدة، وألمانيا، وبريطانيا، وغيرها من الحكومات المتواطئة، تواصل مستعمرة إسرائيل، وكمجتمع، ارتكاب إبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني على مرأى ومسمع من الجميع. وبينما نقوم بالتوثيق والإبلاغ، ويخرج الملايين إلى الشوارع احتجاجًا في جميع أنحاء العالم، فإن ما نقوم به لا يكفي لوقف هذه الأزمة الحضرية القصوى، وتلك الجريمة الصهيونية التي فاقت كل الجرائم.
فقد دفعتنا التجربة الحية التي عايشها التحالف الدولي للموئل، وتاريخه الطويل، إلى محاولة استرجاع القضية الفلسطينية، ومشاركة الفهم العميق لها، من خلال اعتصام افتراضي، في شكل سلسلة من الجلسات التثقيفية، التي نظمها مؤخراً التحالف الدولي للموئل ، والتي تنشرها هنا نشرة أحوال الأرض/LandTimes، كمرجع للجمهور الأوسع. وينعكس هذا الفهم أيضًا في تلك الرسالة العالمية في هذه المناسبة السنوية في بيان التحالف الدولي للموئل ”التضامن مع فلسطين: أكتوبر الثالث للإبادة الجماعية“.
وبينما يُذكّر المساهمون في العدد الحالي من نشرة أحوال الأرض/ Land Times، القراء، بحق الإنسان في الانتصاف في هذه الحالة، فإن المقال عن ”توثيق مسار جبر الضرر عن النكبة“ حول أرشيف عائلة بسيسو، الذي تم إطلاقه مؤخرًا، يوضح أهمية التوثيق في السعي للحصول على الانتصاف وجبر الضرر. كما يبرز مقال ”معالجة النزوح في أنحاء الأراضي العربية“، قضية جبر الأضرار التي يستحقها نحو 50 مليون نازح في أنحاء البلدان العربية، الذين تعرضوا لتجريد ممتلكاتهم وتشريدهم خلال معظم القرن الماضي.
فيما تروي مقالة أخرى من سوريا، طموحات وإحباطات اللاجئين والنازحين العائدين إلى شمال البلاد، والذي يعاني من الصراع والإهمال. وبالنسبة لسكان تلك المنطقة المتنوعين، لم تنته معاناتهم من الهجمات الأجنبية والحرب بعد.
وقبل خمسين عامًا، تناولت الجمعية العامة، الدافع وراء الحروب المتتالية في المنطقة، واعترفت بالصهيونية كشكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري. وقد جاء ذلك في أعقاب قرار مماثل اتخذه المؤتمر العالمي الأول للمرأة، والذي عقد أيضاً في عام 1975، وأعلن الصهيونية شكلاً من أشكال العنصرية، ويماثل نظام الفصل العنصري الذي كان سائداً في جنوب أفريقيا آنذاك. ولا يزال هذا الاعتراف يتردد صداه بعد نصف قرن في ”المؤتمر اليهودي الأول لمناهضة الصهيونية“ الذي عقد مؤخراً، كما ورد في هذا التقرير.
كذلك، قبل 50 عامًا، فشلت المملكة المغربية في إثبات مطالباتها بالسيادة على وحدة تقرير المصير للشعب الصحراوي، وهي الصحراء الغربية الحالية. حينها، أعرب مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة عن أسفه للغزو الوحدوي المغربي العسكري والمدني المشترك للإقليم في عام 1975 فيما يعرف بإسم ”المسيرة الخضراء“، قبل أن يتحول إلى احتلال غاصب. وعلى خلفية اعتراف الجمعية العامة للأمم المتحدة، باستمرار الصحراء الغربية كمنطقة مستعمرة، على مدى هذه السنوات الخمسين، يكتب عضو للتحالف الدولي للموئل بهذه الذكرى، ومن منظور المنفى. وعلى غرار سلفه الصهيوني، فإن الاحتلال المغربي للصحراء الغربية يقوض أسس القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، الذي يبلغ عامه الثمانين حالياً، في ظل سيل من الممارسات الأحادية.
كما تعود الأنظار أيضًا إلى الاحتلالات المتعددة لشبه الجزيرة القبرصية، ليس فقط لاستضافتها قاعدة أكروتيري ”المملوكة“ لبريطانيا والمستخدمة لأعمال التجسس، وتسليح الإبادة الجماعية المستمرة التي ترتكبها إسرائيل في غزة. فقد أدى استحواذ إسرائيل على أراضي قبرص واستعمارها لها سواء في الجانب ”المستقل“، أو الجانب المحتل من قبل تركيا في نطاق الخط الأخضر الذي تسيطر عليه الأمم المتحدة، إلى إثارة الجدل المحلي حول تضاؤل حق تقرير المصير للقبارصة، كما هو وارد في مقالة ”قبرص: الفناء الخلفية الناشئة لإسرائيل“.
وفي نطاق أخر، لاتزال ويلات الحرب في السودان، والتي لا تحظى بتغطية كافية في وسائل الإعلام الأخرى، مستمرة، ووفقاً لتقرير محدث بعنوان ”السودان: نزوح صامت، مجاعة صامتة“، يصف التقرير الكارثة المعقدة التي تتطور منذ سنوات عديدة، نتيجة لإرث الحروب السابقة، والنزوح الجماعي طويل الأمد، والجفاف المتقطع الناجم عن تغير المناخ، وجرائم الحرب المستمرة منذ ثلاث سنوات. فلا يمكن تجاهل الصلة بين حالة النزوح والمجاعة.
وفي سياق المنتدى السياسي رفيع المستوى (HLPF)، فقد كانت التطورات الإيجابية هي محور التركيز المنشود لدورة هذا العام بشأن التقدم المحرز في أجندة 2030. فمع بلوغ منتصف الطريق في مسار تحقيق الجهود العالمية للتنمية المستدامة القائمة على التعاون، تم استعراض التقارير لاوطنية الطوعية لأربعة بلدان في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وتشكل وجهات نظر المجتمع المدني في المنتدى موضوع مقالتين مهمتين: ”دول المنطقة العربية في المنتدى السياسي الرفيع المستوى 2025“ و”التحالف الدولي للموئل يتناول استعراض المنتدى السياسي الرفيع المستوى لإسرائيل“.
استكمالاً لتقارير أحد بلدان المنطقة التي تم استعراضها في المنتدى السياسي الرفيع المستوى، يقدم تقرير ”التمويل الأخضر في العراق“ لمحة موجزة عن التعاون الدولي في مجال التخفيف من آثار تغير المناخ والتكيف معه في ذلك البلد. ويعد هذا هو أحدث تقرير في سلسلة تقارير نشرة أحوال الأرض/ LandTimes، عن برامج التمويل الأخضر في الدول العربية، بعد سلسة تقارير أخرى عن مصر، والأردن، واليمن، وتونس، والمغرب.
وعلى نطاق أوسع، فإن تقرير ”الكونغو ورواندا: النازحون داخلياً في ظل الإجراءات الأمنية التي أقرها ترامب في أكتوبر“ يُطلع القراء على العواقب المأساوية للصراع العالمي على موارد أفريقيا. ويختتم التقرير بدعوة من المدافعين عن حقوق اللاجئين، يدعون فيها حكومتي جمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا، إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لتنفيذ اتفاق أغسطس الحالي الذي يدعو إلى ”عودة آمنة وطوعية وكريمة للاجئين“.
وفي سياق أخر، تثير التطورات العالمية في إقليم كشمير المحتل من قبل الهند، تشبيهات مع ممارسات احتلال إسرائيل لفلسطين، وكما هو مذكور في ”قانون المحتل، أرض الكشميريين“. لا تتشاركا عمليتا الاستعمار في التسلسل الزمني فحسب، بل تشتركان أيضًا في التناقضات والمسؤوليات المشتركة من جانب الأمم المتحدة، ويٌطلع المقال القراء على التكتيكات المشتركة للمحتلين، في الاستيلاء على الأراضي، وإنكار حقوق الإنسان، مما يثير المقاومة المحلية والمواجهة العسكرية بين الدول.
وفي حين تشير الأحداث الجارية، إلى فشل فن الحكم الديمقراطي والمسؤول، فقد أصدرت أعلى المحاكم درجة في العالم أحكامًا بشأن التزامات الدول في مكافحة آثار سوء تصرفها ووضع سبل لمعالجتها. وفيما يتعلق بقضية تغير المناخ العالمية، تشرح هلا مراد كيفية تطور الموضوع ”من المفاوضات السياسية إلى الإجراءات القضائية الدقيقة: توضيح الواجبات الواقعة على الدول“.
في الوقت نفسه، دخلت التدابير الرامية إلى تفعيل صندوق الاستجابة للخسائر والأضرار، مرحلتها الأولى، مما مكن المجتمعات المتضررة من أثار تغير المناخ، لتقديم طلبات للحصول على سبل الانصاف. وقد جاء هذا التطور العالمي في الوقت المناسب، للنساء في مستوطنة كوسوفو غير الرسمية في العاصمة كمبالا، لتقديم قضيتهن بشأن إصلاح آثار فيضانات عام 2025. وقد شاركت مبادرة المدافعين عن الموئل في أفريقيا، لتقدير التكاليف والخسائر والأضرار من أجل الإنصاف، في تقريرها الذي يحمل عنوان ” من الألم إلى القوة: النساء وبياناتهن تتحدث عن أنفسهن“. فتلك هي الأنشطة الإصلاحية للمجتمع المدني، والتي تولد حلولاً، حين تنتهك الدول والقوى الأخرى، حقوق الإنسان المتعلقة بالموئل، إما عن طريق الفعل أو الإهمال.
وبعد التفكير في التحذيرات الخطيرة التي صدرت على مدى العقود الماضية، يختتم هذا العدد من نشرة أحوال الأرض/Land Times، بدعوة المجتمع المدني إلى ”التحول المنهجي الآن أو أبداً!“، مما يعكس موضوع المنتدى العالمي الأخير بشأن السيادة الغذائية (نيلييني الثالث).
كما يعترف موضوع ”الأزمات الحضرية“ الذي طرحه برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية، في اليوم العالمي للموئل، بالتحديات المتعددة - على الرغم من اقتصارها على نطاق حضري ذاتي التحقق - إلا أن أخطر هذه الأزمات هي التي تكون من صنع الإنسان، على الرغم من التحذيرات العديدة التي لم يتم الالتفات إليها، مع توقعات بحدوث حروب وإبادة جماعية.
|