English عن التحالف اتصل بنا العدد 33 اكتوبر 2025 الرئيسسة
تطورات اقليمية

السودان: نزوح صامت، وتجويع صامت

المجاعة في السودان كارثة كبيرة أخذة في التطور منذ سنوات عديدة نتيجة إرث من سنوات الحروب السابقة، والنزوح الجماعي طويل الأمد، والجفاف المتقطع نتيجة التغيرات المناخية، مع جرائم الحرب الدائرة منذ ثلاث سنوات، مما أدى إلى كارثة معقدة.

ففى أغسطس /آب 2025، في الوقت الذي تم فيه الإعلان رسمياً من قبل لجنة التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، عن أن هناك 1.14 مليون شخص في القطاع يعانون من إنعدام الأمن الغذائي ويواجهون المرحلة (التصنيف 4) من تصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، منهم نصف مليون شخص في مدينة غزة يعانون بالفعل من المجاعة المخططة والممنهجة، ويواجهون الفقر المدقع والموت من الجوع (التصنيف الخامس)، نتيجة سياسات التجويع من قبل الاحتلال الإسرائيلي.

أعلنت كذلك اللجنة في توقعاتها للفترة من أكتوبر 2024 إلى مايو 2025، أنه منذ أكثر من عام يعاني السودانيون من سياسة التجويع ومنع المساعدات والإمدادات الغذائية. كما تشير التقديرات الأممية، أنه من المتوقع أن يواجه نصف السكان في السودان والبالغ عددهم (24.6 مليون شخص) مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد، مما يشكل تفاقمًا وانتشاراً غير مسبوق للأزمة، نتيجة للنزاع المدمر الذي تسبب في نزوح جماعي غير مسبوق، وانهيار الاقتصاد، وتدمير الخدمات الاجتماعية الأساسية، وضعف وصول المساعدات الإنسانية.

وقد تزامن هذا في فترة انسحاب قوات الدعم السريع من العاصمة الخرطوم، والولايات المحيطة بها، وتمركزها بشكل كامل في ولايات شرق وجنوب ووسط وغرب دارفور فضلا عن سيطرتها بنسبة 90% على ولاية شمال دارفو، وبعض المناطق في شمال وغرب كردفان.

ومع فرضها لحصار كارثي يرقى لجريمة حرب على مناطق عدة في دافور والتي تستضيف في جنوبها (19٪) وفي الشمال (18٪) والوسط (10٪) أعلى نسبة من النازحين داخلياً، أكثرها فداحة ما يعانيه السكان في 10  ولايات والتي تضم 755,000 شخص محاصر يواجهون ظروفاً كارثية من سوء التغذية والمجاعة. فيما تشير التقارير الأممية أن تكلفة السلع الأساسية في الفاشر هي الأعلى على مستوى البلاد، والتي تبلغ 1000 دولار شهرياً لكل أسرة، منها 700 دولار تكلفة الغذاء وحده، وهو يمثل أكثر من ثمانية أضعاف تكلفة المواد الغذائية الأساسية في أي منطقة أخرى في السودان. فهناك واحدة من كل خمس أسر في هذه المنطقة تعاني من نقص حاد في الغذاء مع قلة أو إنعدام الخيارات المتاحة لإطعام نفسها. ومن المرجح أن تكون هذه الأرقام أعلى بكثير على أرض الواقع، حيث لا يزال من الصعب الوصول إلى العديد من المناطق في جميع أنحاء السودان للتحقق من الأرقام بسبب استمرار القتال.

وخلال عام 2025، يشير تقرير التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، أن مخيم زمزم بولاية شمال دارفور، قد وصل للمستوى (التصنيف الخامس) من المجاعة، والتي امتدت إلى مخيمي السلام وأبو شوق وجبال النوبة الغربية. وسوف تتوسع المجاعة في مناطق شمال دارفور بما في ذلك أم كداده وميليت والفشير والتويسة والليت. هناك خطر حدوث مجاعة في جبال النوبة الوسطى (بما في ذلك مناطق دلامي وغرب كادقلي وأم درين والبورام)، وفي المناطق التي من المحتمل أن تشهد تدفقات كبيرة من النازحين داخلياً في شمال وجنوب دارفور. وتشمل هذه المناطق تاويلا ونيالا جنوب، ونيالا شمال، وبلييل وشطايا وأس سونتا والبورام وكاس في جنوب دارفور، بالإضافة إلى مدني الكبرى وشرق الجزيرة في ولاية الجزيرة، ومايو وألينغاز في جبل أويلا، ولاية الخرطوم، والفردوس في ولاية شرق دارفور.

وعلى الرغم من أن عدد الأشخاص الذي يواجهون المرحلة (3) من تصنيف الجوع قد إنخفض من 25.6 مليون شخص إلى 24.6 مليون شخص في موسم الحصاد (ديسمبر2024 – مايو2025)، إلا أن جميع السكان لم يستفيدوا بشكل متساوٍ، نتيجة المناطق التي تشهد حصاراً، وصراعات شديدة، أدت الأعمال العدائية إلى تعطيل الأنشطة الزراعية بشكل خطير، مما أدى إلى هجر المزارعين لمحاصيلهم ونهبها وتدمير مخزوناتها. ومن غير المرجح أن تستفيد الأسر النازحة، خاصة تلك التي تعيش في المجمعات السكنية والمباني العامة، بشكل كبير من الحصاد.

كما أن 70 في المائة من المرافق والخدمات الأساسية معطلة وغير قادرة على تلبية احتياجات السكان، ومع نقص الغذاء والماء أدى إلى زيادة معدلات الإصابة بالأمراض المعدية مثل الكوليرا، وسوء التغذية الحاد، وبشكل كارثي بالنسبة للسكان المحاصرين في المناطق التي  لا يزال الصراع فيها مستمراً، لا سيما في الجزيرة ودارفور الكبرى والخرطوم وكردفان الكبرى، وكردفان الجنوبية وسنار.

أطراف مؤثرة خارجية

ومن جهة أخرى، في الوقت الذي يتم فيه حصار المدنيين وخفض، المساعدات الإنسانية، نتيجة قطع التمويل الأمريكي، ومنعها من الوصول إلى المناطق المحاصرة، وتعريضهم لمجاعة ممنهجة ومتعمدة، تتدفق عوائد تجارة الذهب في جميع أنحاء البلاد لتدعم العمليات الحربية وإزدهارها، والتي تمثل أكبر مصدر دخل للأطراف الصراع، من القوات المسلحة السودانية، وقوات الدعم السريع، حيث يتم تهريب الذهب الذي يسيطر عليه كلا الطرفين في دولة الإمارات العربية، والتي توفر الدعم العسكري الهائل لقوات الدعم السريع. فتلك الأطراف تعرض الضحايا في الوقت الراهن لمزيد من الجوع المنهجي والمتعمد.

وتؤكد مثل هذه التدخلات، المسؤولية العالمية عن النزوح والجوع. ومع ذلك، على الرغم من حجم الكارثة الهائل وعدد الضحايا المتنوعين، فإن التغطية الإعلامية والسياسية المتجاهلة نسبياً لوضع في السودان تجبر العديد من السودانيين الجائعين والنازحين على المعاناة في صمت.

 

الصورة في الصفحة الأمامية: نساء سودانيات نازحات في مخيم الفاشر تحت حصار قوات الدعم السريع. المصدر: المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. الصورة في المقال: طفل يبحث عن الطعام في دلو في مخيم للنازحين في الفاشر، شمال دارفور.

المصدر: picture alliance/Xinhua News Agency/UNICEF


Back
 

All rights reserved to HIC-HLRN