النازحون يحلمون بالعودة الآمنة إلى شمال سوريا
العودة للمنزل.. حلم نازحين يبحثون عن طريق آمن للشمال السوري
ما يزال مئات الآلاف من نازحي عفرين ورأس العين شمالي سوريا غير قادرين على العودة لمنازلهم وممتلكاتهم رغم سقوط نظام الرئيس السابق بشار الأسد أواخر العام الماضي 2024، إذ يواجه أصحاب المنازل والأراضي الزراعية مخاطر تشمل سلب الأموال والتعرض للاعتقال أو القتل إذا ما طالبوا بممتلكاتهم التي يسيطر عليها مسلحون موالون لتركيا أو نازحون مقربون منهم.
وعام 2011، دخلت سوريا في نزاع مسلح واسع النطاق أدى إلى واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم، حيث نزح داخلياً أكثر من 7 ملايين شخص، ولجأ أكثر من 6.6 ملايين آخرين إلى خارج البلاد. هذا النزاع لم يدمر فقط البنية التحتية والمساكن، بل خلق واقعاً معقداً من الانتهاكات لحقوق الإنسان بما فيها حق السكن والأرض والملكية، خصوصاً بحق الفئات المستضعفة كالنساء والنازحين داخلياً والأقليات.
فقدت ملايين الأسر منازلها بسبب تدميرها في القصف أو الاستيلاء عليها من قبل الجماعات المسلحة في مناطق النزاع. وعاش النازحون في ظروف معيشية قاسية، غالباً في مخيمات مكتظة أو مساكن غير صالحة للسكن تفتقر إلى أدنى مقومات العيش والحياة الكريمة.
وارتكبت غالبية المجموعات المسلحة، التابعة لقوات نظام بشار الأسد أو المعارضة له، انتهاكات تتعلق بالأراضي والممتلكات، لكن هذه الانتهاكات تمت في بعض المناطق بشكل ممنهج بهدف إحداث تغيير ديمغرافي، أبرزها منطقتا عفرين ورأس العين اللتين سيطرت عليهما تركيا وفصائل الجيش الوطني السوري الموالي لها في عمليات عسكرية (غصن الزيتون ونبع السلام) عامي 2018 و2019.
وكانت الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا وقوات سوريا الديمقراطية تديران مناطق ذات غالبية سكانية من الكرد في محافظة الحسكة ومنطقتي كوباني وعفرين منذ انسحاب قوات النظام السابق منها عام 2012، واتسعت المساحة مع طرد قوات سوريا الديمقراطية بدعم التحالف الدولي مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية من منبج والرقة والطبقة وريف دير الزور.
واتبعت تركيا، التي اعتبرت أن القوات الكردية إرهابية، سياسات ممنهجة للتغيير الديمغرافي، سواء عبر تدخلها العسكري المباشر وقواعدها واستخباراتها أو عبر توجيه الأوامر لفصائل سورية مدعومة من أنقرة.
وشهدت المنطقة تهجيراً قسرياً للسكان من خلال عدة وسائل: عن طريق التهديد والهجمات وإرغام من تبقّوا على التنازل عن ممتلكاتهم بقوة السلاح والاعتقالات والتعذيب والقتل خارج نطاق القضاء أو القبول بالصمت تجاه سلب ممتلكاتهم والخضوع لقرارات فرض مبالغ مالية غير قانونية على صورة إتاوات وفدى مالية، وقد شملت الانتهاكات:
- تدمير المنازل أو تحويلها إلى مقرات عسكرية.
- الاستيلاء على العقارات السكنية والتجارية والأراضي الزراعية دون أي مستند قانوني أو تعويض.
- قطع أشجار المزارع والغابات والحراج لبيع الحطب أو افتعال الحرائق لجمع الفحم وبيعه.
- فرض الإتاوات على من بقي من السكان، وإجبارهم على تقاسم إنتاج أراضيهم الزراعية، خصوصاً مواسم الزيتون، مع الفصائل المسلحة، واستخدام الاعتقالات التعسفية والتعذيب كوسائل ضغط لإرضاخ أصحاب الممتلكات.
- منع عودة للنازحين من خلال فرض شروط أمنية تعجيزية أو منعهم من الوصول إلى مناطقهم.
تُقدَّر أعداد النازحين من عفرين وريفها شمال حلب، والمنطقة ما بين رأس العين شمال الحسكة وتل أبيض شمال الرقة، بنحو 600 ألف شخص سيطر مسلحو الجيش الوطني الموالي لتركيا على منازلهم وممتلكاتهم، أو جرى توطين عائلات أخرى قادمة من مناطق مختلفة من سوريا في مساكنهم المصادرة.
ولم تنتهِ أزمة نازحي عفرين ورأس العين الذين تهجروا قسراً من منازلهم بسقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024 كما الحال في المناطق الأخرى، بل بدأ تهجير جديد للنازحين من جنوبي عفرين ومخيمات قريبة في منطقة الشهباء بريف حلب الشمالي، إذ طردت فصائل الجيش الوطني الموالي لتركيا النازحين وارتكبت انتهاكات جديدة بحقهم، بما فيها جرائم قتل وتعذيب.
ونزح ما يقارب 100 ألف نازح إلى منطقة شرق الفرات التي تديرها الإدارة الذاتية، وهي منطقة تعاني في الأساس من ضغط سكاني ونقص في الموارد والخدمات الأساسية يحول دون إنشاء مخيمات وملاذات جديدة، ما جعل أوضاع النازحين هناك هشة للغاية.
تعيش العائلات النازحة في الرقة وكوباني والحسكة والقامشلي في مراكز إيواء أو مساكن مؤقتة تفتقر إلى الخدمات الأساسية، وسط نقص فرص العمل وصعوبة الوصول إلى التعليم والرعاية الصحية.
زدادت معاناة هذه العائلات في خلا الصيف وانتشرت الأمراض بسبب غياب شروط الصحة نقص المياه، لا سيما مع استخدام تركيا قطع المياه من مصادرها كسلاح حرب، حيث عمدت خلال السنوات السابقة إلى تقليص ضخ المياه من آبار علوك (في ريف رأس العين الذي تسيطر عليه تركيا) ما تسبب بشح المياه في مناطق واسعة من الحسكة التي تضم مخيمات تضم نازحي رأس العين.
وتحرم الممارسات والضغوط التركية السكان والنازحين في هذه المناطق من أبسط مقومات السكن والحياة المستقرة، حتى بعد انضمام الفصائل السورية الموالية لوزارة الدفاع في الحكومة السورية الجديدة.
ورغم بعض التفاهمات بين الحكومة الانتقالية في دمشق وقوات سوريا الديمقراطية في الشمال الشرقي، لا توجد حتى اليوم آلية فعالة لضمان حق العودة واستعادة الممتلكات للنازحين من عفرين ورأس العين، كما أن غياب جهود المساءلة والعدالة وتعيين قادة الفصائل التي ارتكبت الانتهاكات في مناصب عليا في الجيش السوري الجديد يعزز عوامل الإفلات من العقاب.
يجسّد الوضع الحالي في عفرين ورأس العين فصولاً متراكبة من المعاناة الإنسانية والحرمان من الحقوق، وملاحقة النازحين بأزمات وتهديدات جديدة تمنع الاستقرار في مساكن أو أعمال مناسبة، في حين دمرت القنابل أو الجرافات الممتلكات التي تركها النازحون أو جرى السيطرة عليها وطمس تبعيتها لمالكيها عبر سياسات قسرية بقصد عرقلة أي حلول عادلة لعودة آمنة وكريمة للنازحين.
بقلم هلز عبد العزيز، إنسايت
ملاحظة: حتى 15 مايو/أيار 2025، تُقدّر مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن أكثر من نصف مليون سوري (501,126) قد عبروا الحدود إلى سوريا عبر الدول المجاورة منذ 8 ديسمبر/كانون الأول 2024. بالإضافة إلى ذلك، عاد 1,200,486 نازحًا داخليًا إلى ديارهم في سوريا، من بينهم 344,733 عائدًا من مواقع النازحين منذ أوائل ديسمبر/كانون الأول 2024، وفقًا لأحدث بيانات فريق العمل المعني بالنازحين.
صورة: عائلات سورية تصل إلى بوابة جيلفيغوزو الحدودية للعبور إلى سوريا من تركيا، بالقرب من أنطاكيا، تركيا، 10 ديسمبر/كانون الأول 2024. المصدر: وكالة أسوسييتد برس.
|