English عن التحالف اتصل بنا العدد 28- نيسان / ابريل 2023 الرئيسسة
تطورات عالمية

حقوق الطفل والبيئة

القانون، بصفته سمة مشتركة عبر البشرية، هو تطوري بطبيعته. ومن خلال تطوير قواعد ومعايير القانون الدولي، يتقدم نظام حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، نحو مزيد من الوضوح  للأبعاد المتعلقة بحقوق الإنسان في البيئة. ولقد تأخرت هذه العملية لعدة قرون، بسبب المفاهيم الفلسفية، لازدواجية  ثنائية الإنسان/الطبيعة، التى ترسخت في العهد القديم، وناصرها المفكرون الغربيون، مما أبعد الجنس البشري عن العالم الطبيعي. وقد تجعل الأحداث البيئية، في خضم التغير المناخي، والحقائق العلمية مثل هذا الانقسام الأيديولوجي غير مستدام.

قبل انعقاد المؤتمر السابع والعشرين، للدول الأطراف في اتفاقيات تغير المناخ  (CoP27) في عام 2021، أقر مجلس حقوق الإنسان، بحق الإنسان في بيئة آمنة ونظيفة وصحية ومستدامة. حذت الجمعية العمومية حذوها في يوليو 2022 بقرار (161 صوت مؤيد، ولا أحد ضد، مع امتناع ثمانية أعضاء عن التصويت، و 24 بدون تصويت) يعترف بحق الإنسان في بيئة نظيفة وصحية ومستدامة مع (حذف كلمة «آمنة» لإصرار فرنسا على الخلافات المحتملة حول الطاقة النووية).

هذه التصريحات الهامة من أعلى هيئة سياسية لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، وأعلى سلطة فيها، هي بيانات ايضاحية، وما يزال هناك حاجة إلى تفسير رسمي لهذا الحق الإنساني المتفق عليه حديثاً، مع تحديد مضمونه المعياري، ومصادره القانونية، والتزامات الدول المقابلة، وتحديد الانتهاكات والمسؤوليات الأخرى للمنظمات الدولية، وما إلى ذلك. وعادة ما يوجد هذا التفصيل المطلوب في التعليقات العامة، وتوصيات هيئات الرصد والتفسير، التي تشرف على معاهدة تكرس حقا معينا. وساهم آخرون في زيادة الوضوح باستمرار، بما في ذلك مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بحقوق الإنسان والبيئة Jone H.Knox، الذي حدد تقريره لعام 2018، 16 مبدأ إطارياً لالتزامات الدول في قانون حقوق الإنسان فيما يتعلق بالتمتع ببيئة صحية. ومع ذلك، فإن الاتفاقيات الأساسية لحقوق الإنسان لا تقنن حقًا صريحًا من حقوق الإنسان في البيئة... مع استثناء واحد محتمل.

وتنص اتفاقية حقوق الطفل على أن تسعى الدول الأطراف إلى إعمال حق الطفل في التمتع بأعلى مستوى صحي يمكن بلوغه (24.2(c)) وتتخذ، بوجه خاص، التدابير المناسبة آخذة في اعتبارها أخطار تلوث البيئة ومخاطره.

وبموجب الاتفاقية، توافق الدول الأطراف أيضاً على أن يكون تعليم الطفل موجهاً نحو تنمية احترام البيئة الطبيعية (29.1(e)).

وفي نوفمبر 2022، لجنة الأمم المتحدة لحقوق الطفل (CRC)، التي تعمل بموجب سلطتها لتفسير الاتفاقية، أصدرت مشروع تعليقها العام رقم 26 حول حقوق الطفل والبيئة مع التركيز بشكل خاص على تغير المناخ. واستجابة لدعوة اللجنة إلى التعليق على المشروع، ساهم التحالف الدولي للموئل-شبكة حقوق الارض والسكن (HIC-HLRN) في عملية وضع المعايير من خلال استكمال اللجنة المعنية بالمشروع، باعتبارها تكملة مرحب بها للاعتراف التفسيري من قبل مجلس حقوق الإنسان، والجمعية العامة ، ومصدر قانون مهم ومؤثر لجميع الدول. (كل الدول في منظومة الأمم المتحدة أطراف في اتفاقية حقوق الطفل، باستثناء الولايات المتحدة الأمريكية).

ولاحظ التحالف الدولي للموئل- شبكة حقوق الارض والسكن، أنه في سياق البيئة وتغير المناخ، تظل الالتزامات الشاملة للدولة الطرف بموجب الاتفاقية (1) لحماية الطفل من الاضرار الناجمة عن الأخطار والكوارث البيئية، بما في ذلك تلك المتعلقة بتغير المناخ، و (2) خدمة مصالح الطفل الفضلى في هذا السياق.

وانضم التحالف الدولي للموئل- شبكة حقوق الارض والسكن إلى المدخلات الأخرى في اللجنة، معترفا بأنه يجب على الدول أن تبذل المزيد من الجهد لدعم حقوق الطفل وفقاً لذلك، مع الاعتراف بدور الأطفال في إعداد المشروع بوصفهم عناصر لحماية البيئة وفي:

●  مكافحة تغير المناخ.

● تحديد مصالح الطفل الحالية والطويلة المدى في هذا السياق.

● تحديد آثار المخاطر البيئية وتغير المناخ على حقوق الطفل. و

● المساهمة بالمضمون المعياري للحق في البيئة المعترف به حديثاً والتزامات الدول المقابلة.

وتتوقع مدخلات التحالف الدولي للموئل- شبكة حقوق الارض والسكن، أن يؤكد التعليق العام كذلك على أن نطاق التزامات الدول الأطراف يتطلب من جميع أجهزة الدولة احترام حقوق الطفل؛ الحماية من الانتهاكات التي ترتكبها الأطراف الثالثة، سواء داخل اوخارج الدولة وإقليمها الخاضع للسيطرة الفعلية ؛ وإعمال تلك الحقوق عن طريق تعزيز وتيسير ومساعدة إعمالها من خلال اتخاذ خطوات وتدابير ملموسة.

التزامات خارج الحدود الاقليمية

حذرت بعض الدول في تعليقاتها المقدمة إلى اللجنة من أن التعليق العام، يستند إلى التزامات جديدة، ولا سيما، التزامات تتجاوز الحدود الإقليمية، في  إشارة ظاهرية الى «الولاية القضائية» (المادة 2.1). ومع ذلك، أشار التحالف الدولي للموئل-شبكة حقوق الارض والسكن، إلى أن ديباجة اتفاقية حقوق الطفل تشير أيضاً إلى مصدر في القانون يتعلق بحقوق الطفل في المادة 10 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (ICESCR)، ولا يحتوي على قيود إقليمية. وعلاوة على ذلك، وانطلاقاً من روح التعاون الدولي (المادتان 27.4 و 28.3 من اتفاقية حقوق الطفل) وطبيعة حقوق الإنسان والبيئة، ومجالات العمل المناخي، فإن التزامات الدول التي يتناولها التعليق العام هي التزامات فردية وجماعية ومحلية وخارجة عن الحدود الإقليمية في آن واحد. وتتوافق هذه الالتزامات  الواجبة والسابقة والدائمة الإقليمية والخارجة عن الحدود الإقليمية، بموجب اتفاقية حقوق الطفل مع الالتزامات الناشئة عن معاهدات اخرى لحقوق الإنسان والبيئة، فضلاً عن التعهدات الطوعية، وغير الملزمة والمؤقتة، التي تتخذها الدول بموجب السياسات العالمية.

وبناء على ذلك، يوضح المشروع أنه «ينبغي للدول أن تتعاون لضمان امتثال المؤسسات التجارية العاملة على المستوى الدولي للمعايير البيئية، التي تُطبق وتهدف إلى حماية حقوق الأطفال من الضرر المرتبط بالمناخ» (الفقرة 116). وهذا يتفق تماماً مع الالتزام بالحماية، والذي يقتضي من الدولة أن تنظم أنشطة تجارية إقليمية، وخارجة عن الحدود الإقليمية بما يتفق مع حماية حقوق الإنسان ومصالح الطفل (الفقرة 92). غير أن إشارة المشروع إلى تجاوز الحدود الإقليمية (الفقرة 100) قد تحتاج إلى الالتزام بإعمال حقوق الطفل خارج نطاق الولاية القضائية الإقليمية للدولة، على أنه يقتصر على حالات معينة.

أفضل العلوم المتاحة

منذ 50 عاما، اعترف المجتمع الدولي بضرورة أن:

يستخدم الإنسان المعرفة لبناء، وبالتعاون مع الطبيعة، بيئة أفضل. وأصبح الدفاع عن البيئة البشرية وتحسينها للأجيال الحالية والقادمة هدفا حتمياً للبشرية... (الفقرة 6). وتذكِّر اسهامات التحالف الدولي للموئل-شبكة حقوق الارض والسكن بأن المبدأ الأول الهادف لإعلان ستوكهولم، يقر أيضاً بأن الإنسان «يتحمل مسؤولية مقدسة لحماية وتحسين البيئة لصالح الأجيال الحالية والمسقبلية».

التنمية المستدامة مقابل القدرة على الصمود والتعافي

وتنص الاتفاقية على الالتزام بالسعي إلى تحقيق هدف الاندماج الاجتماعي، للطفل، والتنمية العقلية، والأخلاقية، والاجتماعية، والثقافية، والروحية الفردية، (الفقرات 23.3, 27.2-3 و 32.1). ويؤكد المشروع أيضا بأهمية السعي إلى تحقيق التنمية المستدامة لصالح الطفل (الفقرة 101). ويقر بضرورة أن «تعزز الدول ليس فقط القدرة على الصمود والتعافي، [بل] تدريجياً التنمية المستدامة والتحسين المستمر للظروف المعيشية للأطفال ومجتمعاتهم» (الفقرة 101).

وهذا التمييز بين الاستخدام المعاصر لمصطلح «المرونة» والتنمية المستدامة له أهمية حاسمة، مع ملاحظة، المضمون المعياري لمفهوم التنمية المستدامة، مع ركائزه الثلاثة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية المترابطة (الفقرة 12).

علاوة على ذلك، توفر المرونة فقط العودة إلى الوضع السابق، بغض النظر عن مستوى الرفاهية قبل الصدمة. ومع ذلك فان التنمية المستدامة تتماشى مع «الإعمال التدريجي» لحقوق الإنسان، والتزام الدولة بضمان «التحسين المستمر للظروف المعيشية»، المنصوص عليها في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، (المادتان 2.1، 11، على التوالي) والمذكورة في المشروع (الفقرة 101).

ففي سياق المستوطنات البشرية، على سبيل المثال، تشير القدرة على الصمود والتعافي، إلى قدرة شخص، أو أسرة معيشية، أو مجتمع، على التعافي بعد حدوث صدمة تنطوي على فقدان أو تلف ممتلكات المنزل أو الارض، و/أو النزوح من مكان الإقامة المعتاد. وأشار التحالف الدولي للموئل- شبكة حقوق الارض والسكن، إلى أن عبء هذه التكيفات لا يمكن ان يُتوقع من الطفل.

التوسع الحضري/التحضر والتكيف

وتنص اتفاقية حقوق الطفل على أن الدول الأطراف تقدم عند الضرورة المساعدة المادية وبرامج الدعم، ولا سيما فيما يتعلق بالتغذية والكساء والإسكان (المادة 27). وفيما يتعلق بالأجيال الجديدة والمستقبلية، تتطلب التنمية المستدامة للأطفال تحقيق مجموعة من حقوق الإنسان الجوهرية والعملية المتشابكة فيما بينها. وأضافت شبكة حقوق الارض والسكن- الهند، أن الإسكان وتطوير الموئل يجب أن تشمل مساحات للأطفال للعب، والحصول على التعليم المناسب، والرعاية الصحية، والمياه والصرف الصحي، والقدرة على النمو في بيئة آمنة وصحية.

ويؤثر الإسكان  بحد ذاته تأثيرا كبيرا على الأثر البيئي ويساهم في تغير المناخ، من خلال البناء، والتوسع الحضري، واستعمال التربة لأجل الأغراض الصناعية والإنشائية، واستهلاك الطاقة، واستخدام المياه، والتلوث، وإزالة الغابات، والتصحر، وفقدان التنوع البيولوجي. ومن أجل الأطفال في الحاضر والمستقبل، هناك حاجة ماسة إلى التحول الفعال لقطاع الإسكان في الوقت المناسب، بما في ذلك، تحسين كفاءة الطاقة والكهرباء، والاستدامة من خلال معايير وقوانين البناء القابلة للتنفيذ، والبناء الاخضر، وأساليب ومواد البناء منخفضة الكربون، والاستخدام الأكثر إنصافًا للمخزون الاسكان الحالي، ودمج التكيف مع المناخ والمرونة في التخطيط الحضري والتنمية.

وبالتالي، فإن التعاون الدولي، بما في ذلك من خلال الدعم المالي والاستثمار، ضروري لتحقيق تحول أخضر يدعم حقوق الطفل. وفي مجال الإسكان، تتطلب الأولويات الحالية والمستقبلية المتعلقة بالبيئة الحرص على دعم حقوق الطفل، لا سيما في حالات النزوح في سياق المخاطر البيئية والكوارث وتغير المناخ.

النزوح المرتبط بالبيئة والمناخ

واشارت مساهمة التحالف الدولي للموئل-شبكة حقوق الارض والسكن، الي اللجنة أن ما يقرب من نصف أطفال العالم (حوالي مليار طفل) يعيشون في البلاد معرضين  «لخطرشديد للغاية» من آثار تغير المناخ، مما يزيد من أزمة الإسكان وحقوق الطفل. وتتعرض النساء والفتيات للخطر بشكل خاص أثناء الأحداث المناخية، حيث يزداد احتمال تعرضهن لعدم الامان في العمل والتمييز، والخوف من التحرش والعنف في الملاجئ. يعاني الأطفال المتأثرون من مساوئ متعددة ويحتاجون إلى برامج خاصة لضمان حمايتهم، فضلاً عن احترام حقوقهم وحمايتها وإعمالها.

أيضا تقر لجنة حقوق الطفل، بأن الأسرة، باعتبارها الوحدة الأساسية للمجتمع والبيئة الطبيعية لنمو ورفاهية جميع أفرادها وبخاصة الأطفال، ينبغي أن تولى الحماية والمساعدة اللازمتين لتتمكن من الاضطلاع الكامل بمسؤولياتها داخل المجتمع (لجنة حقوق الطفل، الديباجة). لذلك، من الضروري أن تضمن الدول لم شمل الأسرة/توحيد العائلة في جميع عمليات النزوح وإعادة التوطين، بما في ذلك النزوح البيئي المرتبط بتغير المناخ ومعالجة شئون اللاجئين.

إن اعتراف الأمم المتحدة ببيئة نظيفة وصحية ومستدامة كحق من حقوق الإنسان يتجه بالبيئة والعمل المناخي الى ضوء جديد لالتزامات الدولة المقابلة ازاء هذا الحق الإنساني لكل طفل. وفي هذا السياق، تحتفي مدخلات التحالف الدولي للموئل- شبكة حقوق الارض والسكن بالاسهامات التي قدمتها، بوضع معايير واضحة وذات سلطة لإعمال حق الإنسان في البيئة، ولكنها أكدت أيضاً أن التوافق بين التقدم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة مع معايير والتزامات حقوق الإنسان لا يزال ضروريا.

الصورة: الأطفال يتعلمون كيفية الحفاظ على بيئة نظيفة. المصدر: Shutterstock.


Back
 

All rights reserved to HIC-HLRN