English عن التحالف اتصل بنا العدد 29- سبتمبر / أيلول 2023 الرئيسسة
تطورات عالمية

الوصول بذاته ليس كافياً أبداً

في الجيل الأحدث من وثائق السياسات العالمية المتصلة بالموئل، من الشائع العثور على مراجع، التي من شأنها أن تؤكد على إمكانية الحصول على السكن كهدف. ومع ذلك، فإدراج صفة تنطوي على مخاطر استبعاد الأخرين، والقيام بذلك في سياق حق الإنسان في السكن الملائم، أدى إلى تدهور اللغة ومعناها، والتضييق من التزامات الدولة المقابلة، كما أدى إلى مفاهيم خاطئة تستدعي التصحيح.

وفي قانون حقوق الإنسان بوجه عام، وحالة حقوق الإنسان الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الموضوعية بوجه خاص، يعد كل حق موضوعاً لمجموعة دقيقة ومحددة قانوناً من القيم التأسيسية، والتي تعطي معنى لما يشار إليه، في كثير من الأحيان بشكل مقتضب فقط، في العهد أو الاتفاقية ذات الصلة التي تضمن هذا الحق. وترد هذه التعاريف - المعروفة باسم «المضمون المعياري» للحق - في المقام الأول في التعليقات العامة (أو التوصيات العامة)، التي وضعتها هيئات المعاهدات المعنية بالتشاور مع الدول الأطراف، وغيرها من أصحاب المصلحة المعنيين.

وفي حالة حق الإنسان في السكن الملائم، المكفول في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية،  وهيئتة الرسمية للرصد والتفسير، أصدرت لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، التعليق العام الأول بشأن حق من حقوق الإنسان المقررة في عام 1991. وقد حدد هذا التعليق العام، بشأن حق الإنسان في السكن الملائم، المضمون المعياري لهذا الحق، بتعريف قانوني حول مدى كفاية السكن الذي صمد أمام اختبار ثلاثة عقود دون أي تحد.

ويوضح هذا الصك أن التمتع بحق الإنسان في السكن الملائم، يتطلب مجموعة من الشروط وهي: ضمان الحيازة؛ وتوافر السلع والمرافق والبنية التحتية والخدمات العامة والبيئية؛ والقدرة على تحمل التكاليف؛ وصلاحية السكن (بما في ذلك البنية الآمنة والسليمة)؛ وإمكانية الوصول بالمعنى المادي؛ والموقع المناسب والملاءمة الثقافية.

ومن الناحية العملية، لا يمكن تحقيق سمات السكن الملائم، إلا من خلال إعمال حقوق عملية أخرى، مثل المعلومات ذات الصلة؛ والخصوصية؛ وحرية الاختيار في الإقامة؛ وحريات التعبير؛ والتنقل والتجمع السلمي؛ والمشاركة في الحياة العامة. وبينما تتحدث هذه المبادئ عن كيفية التمتع بحق الإنسان في السكن الملائم، فإنها يجب أن تتزامن مع وفاء الدولة بمبادئ التنفيذ الشاملة: تقرير المصير، وعدم التمييز، والمساواة بين الجنسين، وسيادة القانون، وتخصيص أقصى قدر من الموارد المتاحة، والإعمال التدريجي (أي التحسين المستمر للظروف المعيشية) والتعاون الدولي.

وتختصر هذه الصيغة في المصطلح القانوني «السكن الملائم». وقد مكن هذا المفهوم أجندة الموئل الثاني، من الإشارة إلى الالتزام المتجدد للدول، بهذا المصطلح المترسخ (61) مرة في هذا الصك السياسي باعتباره «الإعمال الكامل والتدريجي لحق الإنسان في السكن الملائم». وكما تبين في التكرار الأحدث للالتزامات السياسية، تصبح المؤهلات الفردية للحصول فقط على سكن ملائم (أو فقط بتكلفة معقولة) في آن واحد زائداً عن الحاجة وغير كاف.

 

خصوصية حقوق الإنسان

وتنطبق نفس طريقة التفسير على الحقوق الأخرى من حقوق الإنسان. فعلى سبيل المثال، يشمل تعريف لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمضمون المعياري لحق الإنسان في الصحة، معايير لا غنى عنها للتوافر وإمكانية الوصول والقبول والجودة. وفي حالة حق الإنسان في الغذاء الكافي، فمصطلح الكفاية يعني، الغذاء الذي يفي بالمتطلبات التالية: الكفاية والاستدامة لتوافر الغذاء، والحصول عليه، والاحتياجات الغذائية، والتحرر من المواد الضارة، والقبول الثقافي أو الاستهلاكي، وتوافرها، وإمكانية الحصول عليها. وفي جميع الحالات، يتطلب التمتع بحق من حقوق الإنسان سمات متعددة، والحصول عليها هو واحد فقط من بين حزمة حقوق لا تنفصل.

وعلى الرغم من هذا التطور المعياري المكرس على مدى عقود في صكوك حقوق الإنسان، فإن الاستخدام المعاصر الذي يميز سمة مستقلة بذاتها، يعكس تجاهلاً لهذه المراجع الموثوقة، ويعني ضمنياً هدفاً أدنى من الحق المقنن  في الصكوك الدولية. وتعكس الخطة الحضرية الجديدة، هذا الاتجاه مع السمة الفريدة لعنصر الوصول إلى السكن، متخلياً عن سمات أخرى محددة في مصادرهم الرسمية. وتشير إلى تعهد الدول بضمان الوصول فقط، ومنها على سبيل المثال، الوصول إلى الدواء والمعلومات، فكلاهما موضوعان يتمتعان بحقوق الإنسان المضمونة، وذات الصفات الكاملة، والالتزامات السابقة والدائمة والملزمة المقابلة للدول. وعلى نحو مماثل، تتعهد الخطة الحضرية الجديدة، بالوصول وفقط إلى «الموارد الاقتصادية والإنتاجية» وفقط «الوصول إلى... الأرض».

 

تصحيح بارز وملحوظ

ومع ذلك، فإن المعايير الناشئة تصحح المفاهيم المتراجعة ومصطلحاتها، وتوضح المحتوى المعياري بدقة متزايدة. مع الاعتراف بالمساهمات من وجهة نظر حقوق المرأة والفلاحين والشعوب الأصلية، وقد توجت العملية أيضاً بالتعليق العام للجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لعام 2022 بشأن الحق في الأرض.

وتتبعا لهذا التطور الإيجابي، استقرت هيئة الأمم المتحدة للمرأة، على استخدام لغة تعزز حق المرأة في الأرض بشكل أكثر وضوحاً، مثل «الوصول إلى الأرض، واستخدامها والتحكم فيها» على الأقل منذ عام 2013. وبعد ذلك بعامين، دعت أجندة 2030 إلى «وصول المرأة إلى ملكية الأرض والتحكم فيها».  ويبدأ التعليق العام الجديد بلغة ثابتة هي «الوصول الآمن والمنصف والمستدام إلى الأرض واستخدامها والتحكم فيها».

والجدير بالذكر أن التعليق العام بشأن الحق في الأرض للجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، لا يعترف «بحق الإنسان في الأرض» كما فعل في حالة اعترافه الرائد بحق الإنسان في الماء قبل عشرين عاماً. فقد ساد الضغط السياسي، والتفكير الاستعماري والثنائية اليهودية – المسيحية للتوقف عن الاعتراف بالعنصر التقليدي الآخر للأرض، باعتباره حقاً عالمياً (أي إنسانيا). ويبدو أن اللجنة استقرت بالأحرى، على مجال بين حق من حقوق الإنسان في الأرض، والميل إلى التركيز وفقط على حيازة الأراضي، وهو ما يشبه حق الملكية، الذي لا يعد موضوعاً من مواضيع العهد. ومع ذلك، وكما هو الحال في تفسير لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لعام 1991 لحق الإنسان في السكن الملائم، يعكس تعليقها العام النهائي بشأن الأرض، الواقع الحقيقي، بأن الحيازة الآمنة للأراضي هي أيضاً شرط هام، ولكنها غير كافية لإعمال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المرتبطة بالأرض.

 

عن أهمية اللغة

وتثير الخبرة العملية في هذا المجال، أهمية الطبيعة المتميزة المتعددة الأبعاد للأرض، في إطار عدم قابلية حقوق الإنسان للتجزئة وترابطها. فعلى سبيل المثال، هناك حالة المرأة في بلد مثل جزر القمر، ذات نظام الأمومي في الإرث، ولكن نظراً لبعض الممارسات الذكورية، فقد يُطلب منها تقديم كفيل ذكر، لتكون مؤهلة للحصول على تمويل لإدارة الأرض بشكل منتج. - انظر الجزء الخاص بجزر القمر في مقال الدول العربية والمنتدى السياسي الرفيع المستوى 2023 في هذا العدد - وفي هذه الحالة، قد يكون لها حيازة آمنة في شكل ملكية مستقلة للأرض، ولكنها تفتقر إلى الحق المتناسب في تقرير استخدامها لها.

كما ترشد الصياغة الحالية والتعبير عنها على نطاق أوسع، القوانين والسياسات والمؤسسات الوطنية، لسعي المواطنين إلى «الوصول الآمن والمنصف والمستدام  للأراضي واستخدامها والتحكم (الديمقراطي) فيها.» وتتوافق هذه الصيغة أيضاً مع حقوق الإنسان في الحصول على بيئة نظيفة وصحية ومستدامة، والحق في التنمية، ضمن حقوق أخرى. ويساعد هذا النهج وما يقابله من مصطلحات، على تحقيق التصحيح اللازم، لقصر النظر الإشكالي، الذي يعتبر الأرض مجرد ممتلكات يتعين الحصول عليها، ولكن ينبغي أيضا احترامها وحمايتها، في سياقها الطبيعي والموحد لحقوق الإنسان.

 

الصورة: تكافح النساء من أجل الحصول الآمن والمنصف والمستدام على الأرض واستخدامها والسيطرة عليها.

المصدر: Arie Kievit/Hollandse Hoogte/Redux.


Back
 

All rights reserved to HIC-HLRN