English عن التحالف اتصل بنا العدد 29- سبتمبر / أيلول 2023 الرئيسسة
تطورات اقليمية

الخسائر والأضرار في العراق: حالة جفاف الأهوار

يحتل العراق المرتبة الخامسة بين أكثر البلدان تأثرا بالمناخ في العالم. وأصبح المجتمع العراقي يعدُ الأكثر هشاشة بسبب تأثيره وتأثره بالمكونات البيئة السلبية الناشئة عن التدهور البيئي الخطير، الناجم عن حربين مدمرين، وعقد من الحصار، واستمرار الصراعات بعد العام 2003، والتي أودت إلى تدمير 75 بالمائة بالكامل من البنية التحتية للموارد المائية من السدود، وقنوات الري، ومحطات الضخ. إضافة إلى سوء الإدارة للملف المائي، والافتقار إلى التنظيم والالتزام بالتعليمات واللوائح في الاعمال والمشاريع الإنمائية، فضلا عن، التجاوز على محرمات الانهار والغطاء الأخضر يؤدون إلى مستويات عالية من التلوث. وقد حدث تغيير خطير في البيئة من تكرار مواسم الجفاف ونقص المياه أصبحت سمة تغير المناخ في العراق.

يواجه العراق اليوم عديد من التحديات الإقليمية والوطنية، فيما يتعلق بإدارة المياه والسيطرة عليها بسبب زيادة التباين المناخي وكذلك ندرة المياه، الناتجة جزئيًا عن انخفاض منخفض المياه من البلدان المجاورة. فقد أثر الجفاف على شمال العراق منذ أوائل عام 2021، بينما شهدت محافظات الجنوب انخفاضًا في إمدادات المياه وجودتها لعدة سنوات. ومنذ ذلك الحين انخفض إنتاج المحاصيل والثروة الحيوانية، مما أثر على المجتمعات الضعيفة التي تأثرت بالصراع والتشرد على مدى نفس الفترة. تأثر ما لا يقل عن سبعة ملايين شخص في العراق بالجفاف في الآونة الأخيرة. وقد أدت تزايد حدة الجفاف في العراق إلى نزوح أكثر من 62 ألف شخص من جميع أنحاء العراق على مدى الأربع سنوات الماضية.

 

تجفيف الأهوار

 وفي العراق، لا يوجد مثال أعظم على التأثيرات المجتمعة لسوء الإدارة وسط تغير المناخ من منطقة الأهوار التي تقع في السهول الفيضية الشاسعة بين نهري الفرات ودجلة في الجزء السفلي من حوض العراق. تقع الأهوار في الغالب داخل جنوب العراق وجزء من جنوب غرب إيران. وفي العراق، يحتلون منطقة مثلثة تمتد عبر المحافظات الثلاث: ذي قار، والبصرة،  وميسان، والتي تتكون من المدن الثلاث النائية: الناصرية، والبصرة، والعمارة.

وقد ساهمت العديد من العوامل في تدمير الأهوار، أهمها، بناء سدود في المنبع من قبل تركيا وإيران، والتنقيب عن النفط الذي ساهم في تجفيف 950 كيلو متر مربع، والعمليات العسكرية، ومنها بشكل مباشر للغاية بسبب التصريف المتعمد للأراضي الرطبة من قبل صدام حسين كعمل انتقامي لانتفاضات عام 1991 ضد نظامه. وهذه العملية الانتقامية أدت إلى أن الأهوار العراقية والتي تبلغ مساحتها ما بين 10.500 كيلومتر مربع إلى 20.000 كيلومتر مربع، لم يعد لها دوراً لأداء وظيفتها الإحيائية والايكولوجية، بل أرض جدباء تعاني من ندوب سنوات من الجفاف. فقد تقلصت مساحة الأهوار الجنوبية في العراق من 20 ألف كيلومتر مربع في أوائل التسعينيات، إلى 4 آلاف كيلومتر اليوم.

وقد أطلقت منظمة الفاو في يوليو/تموز الماضي، نداء عاجل، للتحذير من العواقب الوخيمة لتغير المناخ، وندرة المياه على الأهوار في جنوب العراق. المنطقة قد شهدت أشد موجة حرارة منذ عدة سنوات، مصحوبة بنقص مفاجئ للمياه في نهر الفرات، مما أجبر الكثيرين منهم إلى مغادرة قراهم، والهجرة إلى محافظات صلاح الدين، النجف، كربلاء، وبابل في وسط العراق، ومناطق اخرى، بحثاً عن مياه صالحة للاستعمال، والغذاء والأعلاف لمواشيهم وفرص العمل.

كانت الممرات المائية في مناطق الأهوار في جنوب العراق تكتسي بأعشاب خضراء مورقة وكان الجو لطيفا للغاية مع نهاية موسم الشتاء، حيث كان مربو الجاموس والصيادون يعملون بنشاط في مناطق الاهوار، والتي كانت تساهم  60% من الثروة السمكية في العراق. ولكن بعد نقص المياه اصبحت جافة تماما بدون مياه، ولا يوجد مربو الجاموس ولا الصيادون، كما جف محصول القصب وهجر السكان المنطقة. ما أن تخطو خطوة واحدة إلى اليابسة حتى تشعر بالحر الشديد بسبب تغير بيئة المنطقة، حيث كانت الاهوار تساعد على تقليل درجات الحرارة، والأن وبعد جفاف الاهوار تصل درجات حرارة منتصف النهار إلى 50 درجة مئوية. وبسبب التغيرات المناخية، والتي جفت بها الأهوار بنسبة 85 بالمئة من مساحتها وبواقع 80 سم عن مستواها الطبيعي، ما أدى ىنزوح 2345 أسرة من محافظة ذي قار من منطقة الأهوار. وبالرغم من أن الحكومة العراقية وضعت مجموعة من الإجراءات للحفاظ على الأهوار واستدامتها، إلا أنها لم تضع ضمن سياساتها تقييماً للأضرار والخسائر غير الاقتصادية التي تكبدتها المجتمعات المحلية من خسارة سبل العيش، والإجبار على الهجرة الهجرة نتيجة موجة الجفاف وتدمير النظام البيئي للأهوار.

وفضلا عن الممارسات من قبل النظام العراقي السابق، يعد من أحد الأسباب الرئيسية لتجفيف مياه الأهوار، هو بناء تركيا 30 سداً، لتخزين المياه داخل أراضيها، ودون التشاور مع دول الجوار المستفيدة من المياه وفقًا للقانون الدولي، كما توقع خبراء البيئة تجمير النظام الإيكولوجي، وتضرر الحياة المعيشية للصيادين ومضاعفة عدد العاطلين عن العمل في شمال الخليج، بالقرب من حدود الكويت، بالإضافة إلى هجرة مائة ألف من سكان الأهوار إلى إيران، وفقا للإحصاءات الرسمية وتشريد آلاف آخرين ضمن العراق بعد أن بلغ عدد سكان المنطقة نصف مليون نسمة، ولم يتبقي من تلك الأهوار سوى 2000 كيلو متر مربع في منطقة بالقرب من منطقة حويزة تمثل عُشر الحجم الأصلي.

وقد حذرت الفاو من أن الوضع أصبح مثيراً للقلق، حيث بلغ منسوب المياه في نهر الفرات 56 سم فقط، و في الأهوار من صفر إلى 30 سم، و بمعدل جفاف خطير بلغ ٪90 ، كما أدت مستويات الملوحة العالية و التي تجاوزت 6000 جزء في المليون إلى إثارة مخاوف المزارعين، وخاصة مربي الجاموس و صيادي الاسماك. بالإضافة إلى ذلك، فإن ما يقارب من ٪70

من الأهوار خالية من المياه وفق مركز إنعاش الأهوار والأراضي الرطبة العراقية التابع لوزارة الموارد المائية.

احتلت أهوار العراق وثقافة عرب الأهوار- المعدان - مكانة مميزة في قائمة التراث العالمي لليونسكو وظل المعدان يمارسون صيد الحيوانات والأسماك في منطقة الأهوار هذه لمدة 5000 سنة، وشيّدوا منازل من القصب المنسوج على جزر عائمة حيث يجتمع نهرا دجلة والفرات قبل أن يصبا في الخليج، وهو ما دفع منظمة اليونيسكو إلى وضعها على قائمة التراث العالمي، وما يتضمنه من جهود تقع على عاتق الحكومة العراقية، من وضع حماية لمناطق الأهوار والمدن الأثريّة، مع تطويرها وضمان استدامتها، لإدامة التنوّع البيئي، وتوفير الخبرات والتمويل لصون الجمال الطبيعي للأهوار، والحفاظ على تنوّع الحياة الطبيعيّة والحيوانيّة، كما شمل القرار إعتراف بضرورة العمل على تشجيع عودة سكان الأهوار إليها.

 

الخسائر والأضرار

هناك تقييمات عديدة لعواقب الجفاف، في خضم الأزمات المتعددة من تدمير للبيئة نتيجة بناء السدود في كل من إيران وتركيا، والموجات المتسلسلة من الاحتلال والصراعات. وقد أدى بعضها إلى وضع خطط عمل طارئة وخطة وطنية خمسية مقترحة لإعادة إعمار وتنمية العراق، وصندوق للإصلاح والإنعاش وإعادة الإعمار. فيما قامت المنظمة الدولية للهجرة بعمل مسح لأكثر من 2800 أسرة في المجتمعات الزراعية في المحافظات المتضررة من النزاع في ذي قار والبصرة، حيث توجد الأهوار، وكذلك محافظات الأنبار ودهوك وكركوك ونينوى وصلاح الدين.

ومع تعرض المزارعين لخسائر ضارة في المحاصيل، انخفض دخل الأسر الزراعية. ففي البصرة، تعتمد أكثر من نصف الأسر على الزراعة كمصدر رئيسي لدخلها، والتي انخفضت إيراداتها. ويبلغ متوسط ​​الدخل الشهري بين الأسر التي شملتها الدراسة 288,000 دينار عراقي (219 دولار أمريكي) في البصرة، وهو أقل بكثير من مبلغ 440,000 دينار عراقي (335 دولار أمريكي) المطلوب لتلبية الحد الأدنى من الإنفاق الشهري للبقاء على قيد الحياة. ويستأجر غالبية المزارعين أراضيهم من الحكومة، وهو ما يعني فعلياً أنهم يدفعون الإيجار، في حين تستمر محاصيلهم في الخسارة وليس لديهم دخل.

وقد أدى الجفاف إلى انخفاض فرص العمل للعمالة اليومية؛ 80% من المزارعين لم يكن لديهم أياً من العمال المؤقتين بأجر، بين عامي 2020-21. ومن المتوقع أن يؤدي انخفاض إمدادات المياه في العراق بنسبة 20% إلى انخفاض الطلب على العمالة الزراعية إلى 11.8% وتقليل الناتج المحلي الإجمالي للعراق بنسبة 6.6 مليار دولار أمريكي. ومن الجدير بالذكر أن أكثر من ربع المشردين داخلياً يعتمدون على العمل اليومي كمصدر رئيسي للدخل. ولن يؤدي عدم القدرة على الوصول إلى الدخل، إلا إلى تفاقم نقاط الضعف الحالية للمجتمعات النازحة، والمساهمة في آليات التكيف السلبية الأكثر خطورة أو موجات إضافية من النزوح.

وتشمل الخسائر الإضافية، النقص في الغذاء، وكلفة النزوح، وفقدان الدخل، وزيادة أسعار المواد الغذائية. ويعد ذلك بكل خاص أمر عاجل، بالنظر إلى التنبؤ بالجفاف الشديد، وقرار وزارة الزراعة الأخير، بخفض المساحات السنوية للزراعة في البلاد بنسبة 50٪ لموسم المحاصيل 2021-22 بسبب ندرة المياه.

وقد غطى تقييم الاحتياجات الذي أصدرته مجموعة البنك الدولي، منذ خمس سنوات، الخسائر والأضرار الناجمة عن الصراع في سبع محافظات: الأنبار وديالي، وصلاح الدين، ونينوى، وبابل، وبغداد، وكركوك. وعلى الرغم من أهمية البيانات والنتائج، ولكنها لا تشمل منطقة الأهوار المنكوبة، ولا توفر سوى بيانات حول الاقتصاد الكلي، والتي يساعد نطاقها الواسع في التخطيط على المستوى الوطني، ولكنها تتجنب التركيز على المجتمعات المحلية وما يخصهم من تكلفة، وخسائر، وأضرار، وما يترتب عليها من احتياجات.

ومع ذلك، فإن هذا التقييم بناء في توقع الجهود الإصلاحية بطريقة متكاملة عند تجديد العقد الاجتماعي، وتعزيز الانتعاش الاقتصادي والتجاري وإعادة تأهيل الخدمات.

وفيما يتعلق بتصنيف اليونسكو لمنطقة الأهوار كموقع للتراث العالمي، فإن الخسائر غير الملموسة الناجمة عن تدمير الأهوار والتي لا تقدر بثمن، فإنها لا تظهر في أي تقييم للخسائر والأضرار حتى الآن. علاوة على ذلك، يجب كذلك، حساب فقدان السلم الأهلي. ومن الجدير بالذكر، أن الوضع بدأ يتغير بعد عام 2004، عندما أدى انخفاض مستويات المياه المتدفقة من نهري دجلة والفرات، إلى تمكين مياه البحر من الخليج في التوغل بشكل أعمق وأعمق في شط العرب، لتصل في نهاية المطاف إلى البصرة نفسها لأول مرة في عام 2018، مما أدى إلى حدوث اضطرابات جماعية.

فهناك حاجة إلى نطاق أوسع وتفاصيل أكثر دقة للتأثيرات المجتمعية وآثارها الأوسع لتحديد الخسائر والأضرار الفعلية والمحتملة. وذلك الركن من العراق يعد حالة محددة في هذا الصدد.

 

الصورة: في منطقة أهوار الجبايش الوسطى، لم يتبق سوى برك صغيرة من المياه الملوثة. المصدر، الصحفي غيث عبد الأحد.


Back
 

All rights reserved to HIC-HLRN