English عن التحالف اتصل بنا العدد 29- سبتمبر / أيلول 2023 الرئيسسة
تطورات اقليمية

عوامل بشرية في كارثة درنة

لايزال سكان مدينة درنة الساحلية الليبية يجمعون جثث الموتى من تحت تدفقات أكوام الطين، وإزالة الركام على الشواطئ. ومن المرجح أن ترتفع أعدادهم إلى عشرات الآلاف. فضلا عن تدمير 891 مبنى، من بينها تضرر 211 مبنى بشكل جزئي، وغمرت التدفقات الطينية 398 مبنى آخر. كما بلغ عدد السكان الذين شردوا إلى 46000 من إجمالي 120.000 نسمة هم إجمالي تعداد سكان مدينة درنة المنكوبة.

فقد أدت الأمطار الغزيرة والأعاصير الناتجة عن إعصار في منطقة المتوسط ونادر في 10 من سبتمبر/أيلول 2023 دورها، كنتيجة مفترض أنها ناجمة عن التغير المناخي، ولكن الجزء الأكبر من كارثة تدفق الفيضانات، يعود إلى انهيار سدين في وادي درنة، وهذا الخطر الذي من صنع الإنسان، وبعد أن تحول الآن إلى كارثة، جعل كارثة درنة، أقل من أنها ناتجة عن عوامل طبيعية.

فالمخاطر تتواجد في الطبيعة، ولكنها تتحول إلى كارثة حينما تندلع، مثل البراكين، أو الزلازل الأرضية، أو التي تحدث تحت الماء وتسبب موجات تسونامي، لتنجم عنها عواقب بشرية. إلا أنه وبغض النظر عن تلك الظواهر الطبيعية، فالكوارث التي تنجم عن تغير مناخي سببه الإنسان، فلم يعد يمكن تسميتها بكارثة طبيعية. فحالة مدينة درنة هي مزيج مأساوي من كوارث ومخاطر من صنع الإنسان.

العاصفة دانيال

في استمرارها نحو الجنوب قادمة من تركيا واليونان، جلب إعصار دانيال أكثر 200 ملم من الأمطار، وجاء مصحوباً بتحذيرات، فوفقاً لتصريحات المركز الوطني الليبي للأرصاد الجوية، بأنه قد أصدر تحذيرات مبكرة، عن الإعصار قبل 72 ساعة من هبوطها. وأعلمت السلطات الحكومية برسائل البريد الإلكتروني، وحثت الناس على توخي الحذر واتخاذ تدابير وقائية.  ووفقاً لتصريحات رئيس بلدية درنة عبد المنعم الغيثي، في قناة الحدث الإذاعية، الجمعة 15 سبتمبر/أيلول الماضي، أنه أمر شخصياً بإخلاء المدينة قبل ثلاثة أو أربعة أيام من وقوع الكارثة. ومع ذلك لم يتم تنفيذ هذا الأمر. كما أفاد بعض السكان بأن الشرطة قد طالبتهم بمغادرة المنطقة، ولكن يبدوا أن القليل منهم غادروا بالفعل.

وفيما يبدو أن هناك مصادر رسمية أخرى، طلبت من السكان البقاء، حيث أعلن مقطع مصور، نشرته مديرية أمن درنة، الأحد 10 سبتمبر /أيلول الماضي، حظر التجوال يبدأ من تلك الليلة، كجزء من التدابير الأمنية لمواجهة الظروف الجوية المتوقعة.

وفي برلمان المنطقة الشرقية في بنغازي، أعلن رئيس البرلمان عقيلة صالح، إلى صرف اللوم عن السلطات المعنية، واصفاً ماحدث بأنه كارثة طبيعية، غير مسبوقة، قائلا إنه لا ينبغي للناس التركيز على ما كان يمكن أو كان ينبغي القيام به. إلا أنه يشير الخبراء إلى حدوث على ما يبدو فشل في نظام الإنذار المبكر، فكي تكون هناك أنظمة التنبؤ بالفيضانات فعالة، فإنها تحتاج لبيانات جيدة عن توقعات هطول الأمطار، ومستويات الأنهار، وشبكة من أدوات القياس التي يتم صيانتها جيدًا على الأرض، ووضع خطة لإبعاد الناس عن طريق المخاطر. وهذا يعود لأن الوضع السياسي الفوضوي في ليبيا ليس مثالياً لتوفير أنظمة كافية للإنذار المبكر بحدوث الفيضانات.

لقد واجهت مدينة درنة سلسلة من تدفق الفياضانات القادمة من الوادي، ومن بينها أحداث 1941، 1959، و1968، ولكن يبدو أن فيضان عام 1959، كان كارثياً بشكل خاص، كما عانت من فيضان 1968، إلى أن تم بناء سدين في السبعينيات، نجحا في إدارة المياه المتدفقة عبر وادي درنة، وتجنب الأضرار الجسيمة التي كانت تلحق بالمدينة، إلا أنه، هذه المرة، يبدو أن الحجم الكبير لمياه الأمطار قد تجاوز القدرة التصميمية، لتلك الهياكل التي يبلغ عمرها أكثر من 50 عامًا.

انهيار السدود

تم بناء تلك السدود في عام 1970، من قبل شركة يوغوسلافية،(Hidrotehnika-Hidroenergetika)، ومقرها الحالي في صربيا. ويقع السد العلوي، المسمى سد البلاد، على بعد 13 كم جنوب درنة، بسعة تخزين تبلغ 1,5 مليون متر مكعب من المياه. في حين أن سد أبو منصور السفلي، على بعد حوالي 1 كم فقط من المنبع من المدينة، لديه سعة تخزين تبلغ 22,5 مليون متر مكعب. وتحتوي السدود على هيكل داخلي جوهري، من الطين المضغوط، مع طبقة خارجية من الحجر.   

وقد أظهرت الدراسات على مدى العقدين الماضيين، أن تلك المنطقة ستكون عالية الخطورة بالنسبة للفيضانات، لذلك فتلك السدود المبنية من الطين والحجر، في وادي درنة، تحتاج إلى الصيانة بشكل دوري، وفي حين أنه من المعروف أيضاً، أن زيادة الغطاء النباتي، هو أمر ضروري، لتثبيت التربة والحد من ظاهرة التصحر.

سبق وأن حظرت عدة تقارير، من وقوع كارثة في حوض وادي درنة، إذا لم تتم صيانة تلك السدود. وفي عام 2020، تم التعاقد مع شركة إنشاءات تركية تدعى Arsel ınşaat، لإصلاح السدود بقيمة 53.5 مليون دينار ليبي (مايعادل 11 مليون دولار)، ولكن لم يتم إنجاز أي عمل.وبعد عام من إبرام التعاقد، أنتقدت انتقد ديوان المحاسبة الليبي وزارة الأشغال والموارد الطبيعية بسبب تقاعسها وفشلها في إلغاء العقد مع شركة آرسيل، أو منحه لشركة تتولى القيام بالعمل. ولم تتحرك أي جهة، حتى حينما حذرت دراسة علمية العام الماضي من الكارثة ذاتها التي وقعت في يوم 10 سبتمبر/أيلول.

حكومة ممزقة

وكان نظام حكم العقيد معمر القذافي (1969-2011) من العاصمة طرابلس، قد بنى قاعدة قوته على التحالفات مع القبائل في غبر البلاد، ما أدى إلى إدامة إهمال الجزء الشرقي من ليبيا، حتى أنهت المقاومة المدعومة من حلف شمال الأطلسي نظام القذافي. إلا أنه، لم تكن هناك خطة دولية كافية لإدارة الأزمة ومعالجة قضية الفصائل. لكن روسيا ومصر وتركيا والإمارات، دعمت ديكتاتورية الجنرال خليفة حفتر عسكرياً، بعد أن ملأ تنظيم الدولة الإسلامية و ميلشيات أخرى الفراغ.

مما نتج عنه، إن الحكومة الليبية المعترف بها دوليًا ومقرها العاصمة طرابلس في غرب البلاد، ليس لها أي نفوذ في الشرق، في ظل إدارة حفتر المنافسة التي تسيطر على المنطقة التي وقعت فيها هذه الكارثة الأخيرة. فيما يستمر الاقتتال السياسي بين حكومة رئيس الوزراء المعترف بها من قبل الأمم المتحدة عبد الحميد الدبيبة، ورئيس الوزراء ومقره في بنغازي أسامة حمد، بدعم من مجلس النواب والجيش الوطني الليبي ومقره طبرق تحت قيادة حفتر.  

بالإضافة إلى تلك الكارثة التي صنعها الإنسان، هناك خطر الألغام الأرضية والذخائر غير المتفجرة، والتي جرفتها الكارثة وتناثرت في مناطق متفرقة، خاصة وأن الطرق الرئيسية في درنة وحولها قد جرفت جراء اجتياح الفيضان، مما يشكل خطراً إضافيا على سكان وادي درنة، وكذلك على جهود الإنقاذ والأفراد.

وجدير بالذكر، أن المراجعة الوطنية الطوعية لليبيا (VNR)، الذي قدم أمام المنتدى السياسي رفيع المستوى التابع للأمم المتحدة في 2020، لم يشر إلى تحرك بشأن المناخ، ولكن قدمت التقارير الوطنية الموحدة معلومات حول الظروف المناخية، وأشارت إما إلى عدم اتخاذ أي إجراء، أو إلى عدم وجود تخطيط استراتيجي و/أو عدم وجود بيانات للإبلاغ عنها.

 

الصورة: صورة مجمعة لصور الأقمار الصناعية تظهر منطقة قبل وبعد الإعصار القوي دانيال، والأمطار الغزيرة التي ضربت مدينة درنة، ليبيا، في 2 سبتمبر 2023 (أعلى)، و12 سبتمبر 2023 (أسفل). المصدر: Planet Labs PBC عبر رويترز.   


Back
 

All rights reserved to HIC-HLRN