English عن التحالف اتصل بنا العدد 24 - كانون الأول / ديسمبر 2021 الرئيسسة
تطورات اقليمية

الدول العربية ومرحلة التحول الأخضر

كيف تقوم الدول العربية بإدارة وتمويل التحول الأخضر للتخفيف من تغير المناخ والتكيف معه؟ ويستحق هذا السؤال البسيط إجابة، تبين كيف تقوم 24 حكومة بدورها في مواجهة أكبر تحد وجودي في العالم، بينما تشير في ذات الوقت إلى أوجه القصور، والأخطار الجديدة، والأسئلة التي تطرح على كل من الدولة ومواطنيها.

وكان هذا هو هدف البحث الذي تم إجراؤه مؤخرًا من شبكة حقوق الارض والسكن (HLRN)، بالتعاون مع شبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية (ANND)، كمرجع للمجتمع المدني في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لتوجيه نفسه نحو عمليات وأولويات التحول الأخضر الحالية. ويشكل هذا التحقيق جزء من المشاركة المدنية في عمليات السياسة العالمية، بما في ذلك التزامات الدول بموجب جدول أعمال 2030، و جدول الأعمال الحضري الجديد، واتفاق باريس بشأن تغير المناخ. وقد شكلت التقارير الحكومية في المنطقة بموجب هذه الأدوات منذ عام 2015 أساس التحقيق، حيث تحدد هذه المصادر الرسمية، السياسات الحالية، والأطر المؤسسية والتشريعية، والتقارير عن الجهود المبذولة لتحقيق الأهداف العالمية والخاصة بالبلد.

ويستند هذا الاستعراض إلى أن معظم الدول العربية، باستثناء الدول المتورطة في الصراع، كانت حريصة على تقديم التقارير إلى المحافل الدولية المعنية بالتحرك في قضية المناخ، والسياسات الإنمائية العالمية ذات الصلة. وعلى الرغم من أن تدابير التحول الأخضر والأداء، تتفاوت الى حد كبير في جميع أنحاء المنطقة، فإن معظم الدول تشارك في درجة ما من التحول الأخضر. وقد وضعت هذه الدراسة خريطة لإجراءات الدول العربية، والممولين الرئيسيين للتحول الأخضر.و لقد كان تقييماً كمياً وليس نوعياً؛ أي أنه أنتج صورة عن السياسات والمشروعات والإجراءات الأخرى، ذات الصلة بالمناخ في كل دولة، ولكنه ترك التقديرات التقويمية لأدائه لمرحلة أخرى، ولموقع آخر للتحقيق.

ومع ذلك ، من المهم ملاحظة بعض الملاحظات النوعية. فمن بين جميع عمليات الاستعراض الوطنية الطوعية التي تبدو إيجابية للغاية في إطار أجندة عام 2030، أصبحت البحرين، والعراق، والكويت، متجاوزة حيث أنها تتوقع زيادة في إنتاج الغازات الدفيئة، والنفط، والغاز، وقلة قليلة نسبياً من مبادرات التحول الخضراء. وتجدر الإشارة أيضًا إلى أن بعض التقارير الوطنية الطوعية (على سبيل المثال، العراق وسوريا، من بين أخرين) تخوّل كل المسؤولية عن التدهور البيئي وتغير المناخ لعوامل خارجية، بينما أغفل البعض الآخر إلى حد كبير موضوع تغير المناخ في التقارير الرسمية (على سبيل المثال، السودان، وليبيا).

وحتى الآن، قدمت 18 دولة عربية تقارير طوعية وطنية إلى المنتدى السياسي الرفيع المستوى خلال هذه الفترة. ولم تبلغ سوى ثلاث دول في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ( تونس والجزائر ومصر)، عن تنفيذ الخطة الحضرية الجديدة حتى الآن. غير أن جميع الدول قدمت التزامات محددة وطنياً بموجب اتفاقية باريس، ومن بينها التطورات المستجدة. والحكومة الوحيدة في المنطقة التي لم تقدم تقارير حتى الآن، هي الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية (الصحراء الغربية)، وذلك، بسبب وضعها غير المتمتع بالحكم الذاتي تحت الاحتلال المغربي، على الرغم من تصريح البوليساريو للقيام بذلك.

تعكس جميع التقارير الوطنية الطوعية عدم التمييز بين التعهد الطوعي والمؤقت لسياسات الدولة، والتزام الدولة الملزم قانونًا والدائم. وتشير الدول عمومًا إلى جميع المعايير باعتبارها تعهدات، والتي، بحكم تعريفها، لا تخضع للمراقبة الدقيقة، ولها عواقب قانونية. في حين أن شروط معاهدة مثل اتفاقية باريس هي التزامات ويجب أن يكون لها أثر قانوني على الأبعاد الفردية والجماعية والمحلية والخارجية.  (برجاء قراءة المقال من أجل استراتيجية إقليمية لحقوق الإنسان خارج حدود الدول، في هذا العدد من نشرة أحوال الأرض).وعلى الرغم من أن التقارير الوطنية الطوعية يجب أن تعكس كلاً من هذه الالتزامات والتعهدات، فإن هذا الإغفال ليس فريدًا بالنسبة للمنطقة العربية، ولكنه مشترك كمقياس لمعظم الدول التى تقدم تقارير أجندة 2030.

ولا يبدو أن أيا من تقارير المراجعة الوطنية الطوعية، أو تقارير تنفيذ الخطة الحضرية الجديدة، أو المساهمات المحددة وطنيًا، التي تقدمها هيئات التنسيق الوطنية، تعد حقا وطنية بالمعنى المقصود، التي ينبغي أن تتضمن مدخلات أصحاب المصلحة المتعددين وتعاونهم. بل إن كل تقرير هو تقرير حكومي، يتم جمعه إما بمساعدة من وكالات الأمم المتحدة أو بدونها. وفي هذه الحالة، سيكون من الضروري إجراء تحقيق أخر لتحديد مدى نجاح السياسات، والتقارير التي تستشهد بها لاختبار المشاركة الهادفة والملكية السيادية.

وبالإضافة إلى الحالة المناخية الطارئة، شهد العالم المنكوب بالوباء بعض التحولات الملحوظة، التي أثرت على جميع اقتصادات الأسواق الناشئة (EMEs) ، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. فالمعنى الأكثر وضوحا هو وجود 14 تريليون دولار من الديون العالمية الإضافية، التي يجب سدادها في الاقتصادات المتقدمة والناشئة على حد سواء. وبالنسبة لمعظم الدول، تحول هذا العبء المالي الإضافي إلى أسواق الديون الخارجية، حيث ظهرت جولة جديدة من الاقتراض للمساعدة في تمويل كل من الدين الخارجي، والاختلالات في ميزان المدفوعات، في خضم التحول الأخضر المطلوب. ومن المتوقع أن يؤدي إصدار المزيد من الديون في البلدان الغنية في نهاية المطاف، إلى رفع أسعار الفائدة، والدعوة إلى إعادة رأس المال النقدي إلى الوطن، الذي يمكن أن يؤدي إلى زيادة تقليص فرص الحصول على التمويل، أو زيادة تكاليفه بالنسبة إلى اقتصادات الأسواق الناشئة. لا تزال هناك حاجة إلى مزيد من البحث والرصد، من أجل استيعاب الدين الناشئ عن التحول الأخضر في الدول العربية، حيث لا يذكر أي تقرير صادر عن اي دولة أو وكالة مانحة هذه القضية المهمة.

تُظهر هذه الدراسة، كميزة خاصة للمنطقة العربية، التكاليف المترتبة على الصراع في تلك البلدان، بالنسبة لجهود التحول الأخضر العالمي، فضلاً عن الضرر المباشر للبيئة بسبب الحروب الجارية، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. ومن الواضح أيضًا أن الصراعات الرئيسية والاحتلالات التي طال أمدها في المنطقة، وتحديداً فلسطين والصحراء الغربية، يتم تمكينها وتسليحها وتمويلها، من قبل بعض الدول الغربية نفسها التي تدير وتمول صناديق التحول الأخضر.

ومن أجل رسم خرائط شاملة لممولي ومشاريع التحول الأخضر، لا تزال هناك حاجة إلى بذل جهد طويل الأمد، وأكثر اجتهادا. ويتم تناول الأطراف الفاعلة الرئيسية في هذا الميدان هنا، ولكن مثل تلك المصارف الإنمائية العامة (PDBs)، يبلغ عددها نحو 450 مؤسسة في جميع أنحاء العالم. بالإضافة إلى عدد لا يحصى من البنوك التجارية والخاصة، فضلاً عن ترتيبات المعونة الثنائية، واتفاقيات الاستثمار الثنائية، والاستثمار الأجنبي المباشر (FDI)، ومنح التعاون التقني والقروض غير المنسقة، من خلال الاغلبيات. ومن جانب المستفيدين، تظهر بعض حقائب الدولة ما يصل إلى 40% من أموال التحول الأخضر الموجهة إلى القطاع الخاص.

فالحجم الهائل وتعقيد جهود التحول الأخضر، يجعل من عملية التتبع والرصد مهمة هائلة، حتى وإن كانت في منطقة محددة. ومع ذلك، تبرز بعض القضايا ذات الأولوية من هذا الاستعراض، والتي تعقدت بسبب مسائل تتعلق بما يلي:

  1. زيادة خصخصة مبادرات التحول الأخضر مع سعيها لتحقيق مكاسب قصيرة الأجل، فى اطار الأهداف الاطول أجلا والعالمية؛
  2. أدوار وقيم الجهات الفاعلة الخاصة في مجالات السياسة العامة، وعلاقتها بالتزامات الدول في مجال حقوق الإنسان، ومبادئ العدالة الاقتصادية والاجتماعية؛
  3. اللامركزية في أنشطة التحول الأخضر كثيرا ما يتم تجاهلها، من خلال التركيز على الديناميكيات الثنائية والمتعددة الأطراف.

ودور القطاع الخاص في الجهود الرامية الى التحول الأخضر، هو موضوع التدقيق اللازم فيما يتجاوز المصادر التي تم التشاور معها من أجل هذا الاستعراض العام. علاوة على ذلك، فإن الطبيعة الغامضة، وغير الديمقراطية لتمويل الأسهم الخاصة للتحول الأخضر، بشكل عام، والأعمال التجارية الزراعية، على وجه الخصوص، قد أثارت مخاوف بشأن الغسيل الأخضر لقطاعات بأكملها.

وقد اتبع التحول إلى الطاقة المتجددة (RE) في معظم البلدان نموذجًا، يربط القطاع الخاص كشريك رئيسي، نظرًا لخبرته وقدرته التشغيلية. لقد دعم هذا النهج إطارًا تنظيميًا يسعى إلى تعزيز الثقة في الاستثمار، وتعبئة أصحاب المصلحة وتقاسم الموارد. ومن ثم، لا يزال هذا التحول، عملية من أعلى إلى أسفل بدعم من أعلى مؤسسات الحوكمة، في حين لا تتم مناقشة الخيارات المختلفة لتحول الطاقة عادةً من قبل جميع أصحاب المصلحة.

وتزامنا مع جهود التحول الأخضر الجديرة بالاحترام في بعض البلدان، فإن نفس الأعمال القديمة كالمعتاد تتمثل في استمرار الاستثمار في النفط والغاز، أو غيرها من الصناعات الاستخراجية، داخل نطاق الولايات القضائية للدول العربية. ومن الجدير بالذكر أن صفقة استكشاف النفط والغاز البحرية لشركة  Royal Dutch Shell، التي أُبرمت مع الحكومة المصرية في عام 2020. فمن جانب شركة شل، فإن هذا الاستثمار يتحدى الأمر الصادر عن محكمة هولندية الذي يوجه الشركة إلى الامتناع عن المزيد من الاستثمارات في الوقود الأحفوري. وفي الأردن، تسعى وزارة الطاقة والثروة المعدنية إلى تحويل محمية ضانا للغلاف الحيوي إلى منجم نحاس، وهناك مشروع ممول من قبل بنك (  KfW) تديره الأونروا لتوفير الطاقة الشمسية للاجئين، يؤدي في الوقت نفسه إلى تدمير منطقة غابات طبيعية في منطقة المقابلين.

كما أن الكثير من الانتقادات الموجهة إلى الواحات ذات الألواح الشمسية الكبرى في الصحراء، بدأت تظهر الآن. فهذه المنشآت لا ترفع درجات الحرارة المحلية فحسب، بينما تولد جزء ضئيل من الطاقة المستحوذة، بل إنها غالبا ما تكون موضع نزاعات على الأراضي على حساب أصحاب الحيازة التقليديين. ففي حالة تطوير المغرب للطاقة الشمسية في الأراضي المحتلة، فإن هذه الممارسة ونتائجها، تشكل أيضًا انتهاكات جسيمة للقانون الدولي، بما في ذلك القواعد القطعية.

ولا يمثل هذا الاستعراض سوى لمحة سريعة عن ماهية الصورة المتعددة الأبعاد المتحركة باستمرار. ويختتم التقرير بالتوصية ببذل جهود متواصلة من جانب المجتمع المدني، للحفاظ على التطورات والتحولات في هذا المجال الهام. ويعد هذا ضروريًا لضمان المساءلة السياسية والفنية والمالية، لا سيما في ضوء احتمال الفساد وسط المعاملات المالية الضخمة من أجل التحول الأخضر.

توصي استنتاجات الدراسة أيضًا بأن تسعى الحكومات إلى الحصول على قدر أكبر، من القبول الاجتماعي لسياسات وجهود التحول الأخضر، وإبلاغ أصحاب المصلحة بشكل منهجي من مرحلة التخطيط، ليتم تنويرهم بشأن خيارات الموقع والتكنولوجيا، والإطار التنظيمي، والعوائد الاجتماعية والاقتصادية والبيئية الملموسة. وبذلك، لا تزال هناك حاجة إلى أساليب لاستعادة   Pالمفقودة في الشراكات بين القطاعين العام والخاص ((PPPs، أي إشراك الجمهور في خطاب السياسة، وفوائد مشاريع التحول الأخضر. وتتضح هذه الحاجة أيضا من خلال تقديم الدول للتقارير المقتصرة على الرؤىالحكومية، بدلاً من التقارير الوطنية القائمة على المشاركة التي دعت إليها منتديات السياسات. وفي الوقت نفسه، ينبغي أن تأتي تعددية اصحاب المصلحة بمعايير معينة، مع إعطاء الأولوية للمصالح العامة والتعددية للجهات الفاعلة، سواء المؤسسات العامة أو المجتمع المدني، على أنها متميزة عن المصالح الخاصة.

حدد البحث أيضًا، الثغرات في تقارير التحول الأخضر، مثل البيانات المتعلقة بمستوى المديونية المتكبدة، في سياق تمويل التحول الأخضر، فضلاً عن احتمالات خصخصة السلع والخدمات العامة. وكثيرًا ما تشير مراجعة تقارير التحول الأخضر إلى وجود تباين بين الممارسات، الداخلية الجيدة للدول والسلوك الخارجي. وتكشف مصادر بديلة كيف تواصل بعض الحكومات ممارسة الأعمال كالمعتاد، بما في ذلك الملاحقات القضائية للحروب المستمرة والاحتلال والنزعات العسكرية، فضلاً عن الاستثمار في صناعات الوقود الأحفوري، والصيد الجائر، والاستخراج المفرط. وقد دعا المجتمع المدني العالمي بالفعل، إلى وقف تمويل الزراعة الصناعية، والأعمال التجارية الزراعية أيضًا، لأن هذه المساعي تتعارض بطبيعتها مع التحول الأخضر ومكافحة تغير المناخ.

في النهاية ، تدعو الدراسة إلى تطوير مجتمع من المواطنين الملتزمين، وحشدهم من أجل التحول الأخضر، مع إمكانية تطوير رؤية مشتركة، والتأثير على سياسات الطاقة على مختلف المستويات. وتحقيقا لهذه الغاية، يمكن أن تظهر أشكال جديدة من القدرة الاجتماعية، ولا سيما إشراك أصوات النساء، والشباب، والشعوب الأصلية، والمزارعين، والرعاة في الخطوط الأمامية لتغير المناخ. وعندئذ يمكن أن تنشأ ثقافة النقاش والتشاور القوية، والتي تشتد الحاجة اليها بين الأطراف الفاعلة المعنية.


Back
 

All rights reserved to HIC-HLRN